أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

آليات مزدوجة:

سُبل التعامل مع "أشبال الخلافة" في مرحلة ما بعد "داعش"

03 أبريل، 2017


تتصاعد التكهنات حول إمكانية سقوط "داعش" في ظل ما يشهده نفوذ التنظيم من تراجع في الآونة الأخيرة، وهذه التكهنات مصحوبة بتساؤلات عدة حول سيناريوهات ما بعد سقوط "داعش"، وما يمكن أن يخلفه التنظيم من تبعات وتهديدات، أبرزها الأطفال الذين ولدوا وتربوا في كنف "داعش" من دون أوراق أو وثائق رسمية تثبت نسبهم، وأولئك الذين نشأوا عقائدياً وعسكرياً ليتحولوا إلى مقاتلين صغار منتمين للتنظيم ومتشبعين بأفكاره.

كما تتزايد المخاوف في العديد من الدول التي ترى في هؤلاء الأطفال تهديداً أمنياً مستقبلياً، حيث تخشى إمكانية قيامهم بتنفيذ عمليات إرهابية في حال عودتهم لبلادهم، خاصةً أنهم يحملون جنسيات ذويهم من المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم. وقد أدى ذلك إلى وجود مطالبات عديدة بوضع برامج تأهيل وإعداد للتعامل مع الأطفال العائدين من "داعش".

آليات التجنيد
يعتمد تنظيم "داعش" على مصادر وآليات عدة للوصول إلى تجنيد الأطفال في صفوفه في بؤر الصراعات العربية المسلحة، وتتمثل هذه المصادر في الآتي:

1- أبناء المقاتلين في صفوف "داعش"، حيث يقوم التنظيم بضم أطفال المقاتلين إلى صفوفه وإخضاعهم لبرامج تدريبية تؤهلهم لأن يصبحوا مثل ذويهم، حيث يتم تأهيل الأطفال على مستويين: الأول هو تأهيل نفسي لتقبل قتل الآخر باستخدام الحافز الديني، والمستوى الثاني يتعلق بالتدريب على القتل بمساعدة الأطفال على قتل الحيوانات كمرحلة أولى لقتل الإنسان.

2- أبناء أسرى التنظيم، حيث يتم عزلهم عن عائلاتهم وتدريبهم وإرغامهم على القتال، وهو ما يحدث في الغالب مع أبناء العائلات الأيزيدية في العراق، والأقليات غير المسلمة، بل يتم استخدام هذا الأسلوب مع المسلمين غير السنة من الشيعة، ومن أبناء المسلمين السنة الذين يطلق عليهم مرتدون.

3- الأطفال المشردون واليتامى الذين يفتقرون للمأوى، حيث يتم تجنيدهم من خلال توفير مأوى بديل وإغرائهم بالهدايا، وإشباع احتياجاتهم المختلفة.

4- شراء الأطفال من ذويهم بمقابل مادي، وهو ما يقوم به تنظيم "داعش" مع العديد من الأسر التي تفتقر للمال وسُبل المعيشة بسبب الحروب والصراعات، حيث يقوم بدفع مقابل مادي مجزٍ للأسر مقابل السماح لأطفالهم بالالتحاق بصفوف التنظيم.

5- خطف الأطفال، حيث يقوم "داعش" بخطف الأطفال من الشوارع وتجنيدهم من دون علم ذويهم وإلحاقهم بصفوفه، ولجأ التنظيم إلى هذا الأسلوب مع ارتفاع عدد القتلى في صفوف أعضائه نتيجة الضربات العسكرية، سواء من قِبل التحالف الدولي أو الجانب الروسي، ما دفع التنظيم إلى تدعيم صفوفه بخطف الأطفال.

6- وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يوظفها "داعش" لتجنيد الأطفال والمراهقين أو الإيعاز بتنفيذ عمليات إرهابية من خلالها. وعلى الرغم من ضعف تلك الوسيلة كأداة لتجنيد الأطفال، فإنها وسيلة فعالة بالنسبة للمراهقين الذين تتجاوز أعمارهم 15 سنة وأقل من 18 سنة.

عدد الأطفال المقاتلين

لا توجد أرقام دقيقة عن عدد الأطفال المقاتلين في صفوف تنظيم "داعش"، ولكن ثمة بعض المؤشرات التي يمكن من خلالها التكهن بحجم كتائب "أشبال الخلافة" داخل التنظيم. ففي الوقت الذي تقدر فيه بعض الإحصائيات عدد المقاتلين من الأطفال في صفوف "داعش" بحوالي 1500 طفل، هناك إحصائيات أخرى تتجاوز هذا الرقم. وفيما يلي بعض التقديرات الخاصة بعدد أطفال "داعش":

1- كشف معهد أبحاث التطرف "كيليام" في لندن، في نهاية عام ٢٠١٦، أن هناك 31 ألف سيدة حملت داخل مناطق سيطرة تنظيم "داعش" في العراق وسوريا وليبيا خلال الفترة من 1 أغسطس 2015 إلى 9 فبراير 2016. وأفاد المعهد بأن عدد أطفال "داعش" من ذوي الجنسية البريطانية قد بلغ حوالي 50 طفلاً.

3- رصدت الأجهزة الأمنية الفرنسية ما يزيد على 450 طفلاً ولدوا من آباء فرنسيين في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"، والذين يقدر آباؤهم بحوالي 750 مقاتلاً.

4- أفاد تقرير صادر عن مركز مكافحة الإرهاب التابع للجيش الأمريكي في ويست بوينت، في فبراير 2016، أن حوالي 89 طفلاً وصبياً تتراوح أعمارهم بين 8 و18 سنة لقوا حتفهم في معارك لتنظيم "داعش" في الفترة بين يناير 2015 ويناير 2016.

5- كشف تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة، في يناير 2016، أن عدد أطفال "داعش" في مدينة الموصل خلال عام 2015 تراوح بين 800 و900 طفل.

6- استهدف تنظيم "داعش" المدارس والمساجد في سوريا لتجنيد 400 طفل في عام 2015، وذلك وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

مراحل التأهيل

أنشأ تنظيم "داعش" مكاتب أطلق عليها "أشبال الخلافة" تتولى استقبال الأطفال وتسجيلهم وإعدادهم، وتتم عملية التأهيل وفقاً لمرحلتين رئيسيتين، وهما:

1- تأهيل شرعي (من 5 إلى 10 سنوات): يتضمن تلقين الأطفال عقيدة تنظيم "داعش" وأفكاره وتهيئتهم نفسياً لارتكاب الجرائم في دروس تُسمى "دورات شرعية"، بالإضافة إلى المناهج التعليمية التي تبث أفكار التنظيم والتي يتم فرضها على المدارس في مناطق سيطرته.

2- تأهيل عسكري (من 10 إلى 15 سنة): يتضمن تدريبات عسكرية للأطفال، وتشمل استخدام الأسلحة والذخيرة، وخوض المعارك والاشتباكات، وتصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة، ونصب الكمائن وتنفيذ عمليات الاقتحام، ومشاهد تمثيلية لعمليات إعدام وذبح مماثة لتلك التي يقوم بها أفراد "داعش"، والتخطيط والقيادة.

ويواجه أطفال "داعش" عقب انتهاء الدورات الشرعية والعسكرية أحد 3 مسارات، وهي: تنفيذ عمليات إرهابية (عمليات ذبح، أو عمليات انتحارية)، أو مواصلة الإعداد وترك الأطفال لمرحلة مستقبلية حتى النضج، أو القيام بزرعهم كخلايا نائمة وجواسيس.

أسباب التجنيد

يمكن إجمال أسباب تجنيد تنظيم "داعش" للأطفال في 3 أسباب رئيسية، وهي:

1- بقاء ما يسمى "الدولة الإسلامية": يسعى تنظيم "داعش" إلى وجود ما يسمى "دولته الإسلامية" وضمان تضاعف أعدادها واستمراريتها، ولهذا يقوم بإعداد أجيال جديدة من المقاتلين الذين نشأوا في كنفه ويدينون له بالولاء. وقد تضمن العدد الثامن من مجلة "دابق" تقريراً بعنوان: "أسود الغد"؛ يوضح فيه "داعش" أسباب اهتمامه بتجنيد الأطفال والتي تتمثل في إعداد جيل جديد من المقاتلين الذين "يحملون راية التنظيم".

2- كسب الولاء: يمكن أن يؤدي الإعداد المبكر إلى تخريج جيل جديد من المقاتلين الأكثر فتكاً ووحشية، نظراً لتشبعهم بأفكار "داعش" منذ الصغر.

3- بدائل حالية: يحاول تنظيم "داعش" تعويض خسائره وتراجع أعداد المقاتلين المجندين في صفوفه من الشباب، بتجنيد الأطفال وإعدادهم كبدائل لأداء عدة أدوار، ومنها ما يلي:

أ- تنفيذ عمليات الذبح والإعدامات، وهو ما تمت ملاحظته خلال الفترة الماضية من قيام "داعش" باستخدام الأطفال في عمليات ذبح الرهائن والإعدامات، وهذا ما تم بثه في العديد من فيديوهات التنظيم.

ب- التفجيرات الانتحارية، فحسب إحصائيات رسمية عراقية العام الماضي هناك أكثر من 40 عملية انتحارية نفذها أطفال في "داعش".

ج- القيام بأعمال التجسس لصالح "داعش"، اعتماداً على ما يتمتع به الأطفال من سهولة في الحركة والتسلل.

د- الدعاية لـ "داعش"، إذ يسعى التنظيم إلى تحقيق مكاسب في الحروب الدعائية.

آليات التعامل

تتمثل المعضلة الأكبر أمام الدول في التعامل مع أطفال "داعش" في تنوع جنسياتهم وخلفياتهم، وهو ما قد يخلق صعوبة في توحيد الجهود للوصول إلى آليات عمل موحدة. ويمكن إجمال آليات التعامل المقترحة مع "أشبال الخلافة" في عنصرين رئيسيين، وهما:

1- التأهيل: يتضمن محاولة محو المفاهيم المغلوطة التي تلقاها الأطفال أثناء وجودهم مع "داعش"، واستبدالها بمفاهيم صحيحة استناداً إلى آليات غير تقليدية تضمن التغلب على ما قد استقر في وجدان الأطفال من قناعات وأفكار متطرفة مرتبطة بالتنظيم.

2- الدمج: أي محاولة إعادة إدماج الأطفال داخل مجتمعاتهم لتوفير نمط حياة يتسم بالسواء، وهي مرحلة تالية لمرحلة التأهيل. وقد ظهرت العديد من المبادرات في هذا الصدد، منها المشروع الذي أطلقته الحكومة الفرنسية والذي تشرف عليه وزارات الأسرة والطفولة، والداخلية، والتعليم، بهدف إعادة دمج أطفال "داعش" في المجتمع الفرنسي في حال عودتهم إلى البلاد.